الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الصحافة المكتوبة بين مطرقة غياب الاشهار العمومي وسندان الافلاس

نشر في  24 سبتمبر 2014  (12:15)

تعيش الصحافة المكتوبة في تونس أسوأ فتراتها بعد أن ظن الجميع أن نفحات الحرية التي هبّت على القطاع بعد الثورة ستمنحه روحا جديدة إلا أن الواقع ينبئ باندثار الصحافة المكتوبة وإفلاسها.. فكثيرة هي  العناوين التي برزت بعد الثورة ولم تصمد كثيرا، وسرعان ما أعلنت إفلاسها، رغم النفقات الكبيرة التي تحملها أصحابها، ورغم تعدد العناوين فإن ذلك لايخفي المصاعب التي يعاني منها أصحاب هذه المؤسسات من تزايد الديون وضعف المردود في غياب الموارد التي  تعيش بها  الصحافة المكتوبة وأهمّها الإشهار العمومي والخاص، فأمام الازمات الاقتصادية تقلص عدد المستشهرين وأصبحوا يعدون على الأصابع، كما يشهد  الإشهار العمومي فوضى عارمة إذ تحول إلى «سوق ودلال«، دون أن ننسى الارتفاع الجنوني لأسعار الورق في الأسواق العالمية، وغياب دعم الدولة التي يبدو أنها  تنصلت من مسؤولياتها تجاه هذا القطاع الذي أصبح للأسف قبلة لأصحاب المال الفاسد الذين استغلوا بعض العناوين لتحويلها إلى أبواق دعاية وإلى تشويه الخصوم.

اخبار الجمهورية تحدثت مع بعض أبناء هذا القطاع لتشخيص الواقع المتردي التي أصبحت تعيشه الصحافة المكتوبة وعن تخلي الدولة عن دورها في معالجة هذا القطاع العليل ولمعرفة الحلول، التفاصيل تطالعونها فيما يلي ...

زياد الهاني: «لماذا تأخر مجلس الصحافة»؟

يرى زياد الهاني أن تردي وضع الصحافة في تونس يعود لعدّة أسباب أهمها غياب سلطة تأطيرية مهنية للقطاع،  فالقطاعالصحفي الذي عانى طويلا من التسلط والهيمنة، وجد نفسه ودون مقدمات فضاء مفتوحا لمن يستحق ولمن لا يستحق مما أوصلنا إلى حالة من الفوضى التي تهدد بالقضاء نهائيا على قطاع مأزوم في الأصل على حدّ تعبيره.
ويواصل الهاني حديثه قائلا «ففي ظل مشهد إعلامي يتسم في أحيان كثيرة بغياب المهنية وغلبة الإثارة وانتهاك الأخلاقيات والسمسرة وإغراق القطاع بالدخلاء على المهنة وانتهاك حقوق الصحفيين واستغلال الشبان منهم في وضعيات هي أقرب إلى المسخرة وضعف التكوين في معهد الصحافة وعلوم الإخبار، يفقد الإعلام سلطته الرمزية وطبيعته الرسالية التي تجعله رافدا أساسيا للتنمية والنهوض الحضاري. كما يشكل ارتفاع الأعباء المالية التي تثقل كاهل المؤسسة الإعلامية وخاصة سعر الورق والحبر واحتكار سوق التوزيع، تحديات مصيرية يمكن أن تكون قاصمة للظهر».
الحلول
أمّا عن الحلول للنهوض بهذا القطاع فيشير زياد الهاني إلى «أن الإصلاح يبدأ بالجانب الهيكلي من خلال بعث مجلس الصحافة الذي طال انتظاره. ويفترض ألا يكون هذا المجلس فقط أداة لإعداد التقارير حول انتهاك أخلاقيات المهنة الصحفية ولعب دور الوسيط لنشر ردود المواطنين المتضررين في الصحف، فمجلس الصحافة مطالب أسوة بالهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري بلعب دور تعديلي في القطاع يصل إلى حدّ زجر الانتهاكات الخطيرة لمنع تكرارها، مثلما هو الحال في تجربة مجلس الصحافة الهندي وهو مطالب أكثر من ذلك بلعب دور هيئة مراقبة التوزيع وإعداد المعايير التي يسند من خلالها الإشهار العمومي ومراقبة حسن تنفيذها. ويعتبر مؤشر التوزيع واحترام الحقوق القانونية للعاملين في المؤسسة الصحفية، من المعايير الأساسية التي يجب اعتمادها للحصول على الإشهار العمومي.
ولأن الإشهار العمومي وحده لا يكفي لتحقيق التوازن في مالية المؤسسة الإعلامية، من المهم أن يحظى القطاع الإعلامي بمجموعة من الحوافز والتشجيعات التي من شأنها أن توفر ظروف عمل أفضل للمؤسسات الإعلامية».
وواضاف الهاني قائلا:» اعتبار لتميّز التجربة الإعلامية في تونس بوجود صحافة عمومية مكتوبة ممثلة بمؤسسة لابراس والصحافة، وبوكالة عمومية للأنباء هي وكالة تونس إفريقيا للأنباء، يتوجب أن يكون لمجلس الصحافة رأي في تسمية المسؤولين عن هاتين المؤسستين حتى لا تنفرد السلطة التنفيذية بذلك ونضمن استقلالية الإعلام العمومي التي تعتبر شرطا أساسيا حتى يكون الإعلام العمومي صوت المواطن العادي لدى أهل الحكم، لا صوت الحكومة والدعاية الكاذبة المسلطة على الناس».

نبيل جريدات: «لوبيات اقتصادية وسياسية تتحكم في مصير الصحف بتآمر من الحكومة»

أكد الاعلامي نبيل جريدات، والذي سبق له ان دخل في اضراب جوع اثر الصعوبات المادية التي واجهتها مؤسسته الاعلامية، ونقصد جريدة «الاولى» التي تم اغلاقها، ان الازمة التي تمر بها الصحف التونسية سببها الحكومات المتعاقبة حيث رفضت تسوية هذا الملف الشائك وخاصة توزيع الاشهار العمومي بالعدل على مختلف وسائل الاعلام المكتوبة، وفي هذا الصدد قال:» يبلغ حجم الاشهار العمومي 6 مليارات لكن وللاسف لا يوزع هذا المبلغ الهام بالتوازي بين مختلف الصحف حيث تجد جريدة تتمع بالملايين واخرى لا تتمتع بأي مليم ... لقد كان حريا بالحكومة التونسية ولضمان استمرارية الصحف توزيع هذا المبلغ بالعدل اي بما يعادل 600 مليونا  لكل جريدة في السنة ، خاصة اذا علمنا ان 40 بالمائة من مداخيل الجرائد متأتية من الاشهار العمومي و40 بالمائة من الاشهار الخاص و20 بالمائة من المبيعات «، واضاف جريدات انه سبق ان اقترح على حكومة حمادي الجبالي انشاء وكالة وطنية للاشهار العمومي تشرف عليها هياكل حكومية ونقابة الصحفيين ومجلس الصحافة وتتولى هذه الوكالة بعد اجتماع لجان تدرس ملفات الجرائد وتقرر بناء على مقاييس موضوعية ومهنية وحياد  توزيع الدعم على الصحف من خلال صندوق يوفر جزء من اجور الصحفيين، وهكذا يضمن الا يتصرف صاحب المؤسسة في المال لصالحه الشخصي..
وواصل محدثنا قائلا: «لقد تعهد انذاك سمير ديلو بدراسة المشروع لكن وللاسف ظلّ الامر على حاله... لقد برهنت الحكومات المتتالية انها لا ترغب في الاصلاح في هذا المجال تحديدا وذلك لصالح لوبيات اقتصادية وسياسية تتحكم في مصير الصحف ...ان غياب ارادة سياسية واضحة وراء ما تعانيه الصحف المكتوبة من ازمات ووراء اغلاق اكثر من صحيفة، لذلك يجب تفعيل احداث لجنة قصد انشاء وكالة تكون مهامها مختلفة عن وكالة الاتصال الخارجي سابقا، وتنظم سوق الاشهار بما يضمن ديمومة الصحف التونسية «

يوسف الوسلاتي: نحن بحاجة الى مجلس للصحافة ينظم الإشهار العمومي

من جهته حذر الإعلامي وعضو النقابة الوطنية للصحفيين يوسف الوسلاتي من الواقع المتردي الذي بلغته الصحافة المكتوبة في بلادنا قائلا: «لقد انتظرنا بعد الثورة أن يرتقي قطاع الصحافة المكتوبة وأن يكون أكثر جدية وواقعية وقربا لهموم المواطن لكن يبدو أن الانتعاشة التي عرفها القطاع بعد الثورة لم تدم طويلا إذ أنه سرعان ما بدأت بعض الصحف في الإختفاء بعد أن أعلن أصحابها عجزهم عن مجابهة المصاريف أمام شح الإعلانات والغلاء المفرط للورق». في المقابل شدد الوسلاتي إلى أن المال الفاسد ألقى بظلاله على بعض الصحف التي كادت أن تختص في هتك الأعراض وتشويه الخصوم وتصفية الحسابات وهي ممارسات ورثتها عن صحف أخرى كانت بنفس المواصفات قبل ثورة 17ديسمبر ، ونبه الوسلاتي إلى أن بعض الصحف أصبحت تختص في تبييض الإرهاب من خلال بعض المقالات أو الحوارات والريبورتاجات .وأشار الوسلاتي أن النقابة الوطنية للصحفيين بصدد التنسيق مع جمعية مديري الصحف من أجل إعداد مجلس الصحافة الذي سيكون من مهامه تنظيم قطاع الإشهار العمومي، والحرص أيضا على تطبيق الاتفاقية الإطارية للقطاع مشيرا أنه لا يمكنه الحديث عن صعوبات مادية يعيشها أصحاب هذه المؤسسات مادامت تصدر بانتظام.

نصر الدين بن سعيدة: الحكومة ترفض دعم الصحافة المكتوبة  لأنّها لا تعتبرها من الأولويات

قال نصر الدين بن سعيدة صاحب جريدة التونسية إنّ الازمة التي يمر بها قطاع الصحافة المكتوبة مردها انفتاح سوق الصحافة وتسهيل عملية الحصول على رخص رغم ان سوق الاشهار محدود واشار بن سعيدة ان المبلغ المخصص للاشهار العمومي ظلّ على حاله في حين ان عدد الصحف في تزايد، وهو ما جعل عملية توزيع الاشهار العمومي غير عادلة .
وذكر نصر الدين بن سعيدة ان الاشهار العمومي يمثل العمود الفقري لكل صحيفة لكن توزيعه غير عادل بل تتمتع به جرائد معينة على حساب اخرى، مشيرا الى ان بعض المؤسسات الاعلامية تعتمد سياسة المزايدات اي تلتجأ الى تخفيض سعر الاشهار حتى تفوز باكبر نسبة منه متناسية ان المستفيد الوحيد من مثل هذه الاساليب هي الدولة لا غير .
وبيّن بن سعيدة ان الصحف الجديدة هي التي تعاني اكثر من القديمة خاصة وانها غير قادرة على المنافسة بامكاناتها الضئيلة .
كما أفاد محدّثنا ان الصحف الاسبوعية تعاني من ازمات اكثر من اليوميات لان القارئ لم يعد في حاجة الى التحاليل التي يطالعها يوميا على الانترنات.
من جهة اخرى اكد مؤسس جريدة التونسية ان الحكومة عبرت في اكثر من مناسبة عن رفضها لدعم قطاع الصحافة المكتوبة مبررة ذلك بان لديها اولويات اهم من الصحف، وذكر انه ورغم اهمية هذا القطاع والعدد الكبير الذي يشغله فانه لايحظى باهتمام الحكومة وقال: «في المغرب على سبيل المثال تدفع الحكومة ما يقارب المليار كدعم للصحافة المكتوبة لكن في تونس يعتبر هذا القطاع الحيوي غير مهم»..
وختم بقوله:» من المهم جدا ان يتم وضع مقاييس معينة تتحصل على اثرها كل الصحف وبالتساوي على الاشهار العمومي او خلق وكالة تهتم بهذا المجال في القريب العاجل وان توفر الحكومة دعما مباشرا في اقرب الآجال».

نجيبة الحمروني: «بعث مجلس صحافة من الأولويات»

أكدت الرئيسة السابقة لنقابة الصحفيين نجيبة الحمروني انه وبحكم معاينتها لعدد من المؤسسات الاعلامية المكتوبة ان اصحاب هذه المؤسسات يعانون من صعوبات مالية كبرى واهمها خلاص العاملين، وذكرت الحمروني أن من أبرز المشاكل الأخرى التي تعاني منها الصحف هي مشكلة التوزيع حيث يسيطر على هذا المسلك شخص واحد وهو الدعداع وقالت: «للاسف هذا الشخص طالما خدم جهات على حساب اخرى وعملية توزيع الجرائد طالما كانت تخدمها المصالح الشخصية له».
وافادتنا الحمروني ان المكتب القديم لنقابة الصحفيين طالب في وقت سابق بضرورة بعث مجلس الصحافة الذي من شأنه ان ينظم القطاع وفي هذا الصدد قالت :» للاسف رفض بعض الصحفيين هذا المشروع ونفس الامر بالنسبة الى بعض اصحاب الصحف الذين عبروا عن رغبتهم في هيكل يهتم بالاصلاح الهيكلي والاقتصادي لا غير ولا يهتم بالجانب المهني .. صراحة وبعد قرابة العام على العمل في هذا المشروع باءت كل محاولاتنا بالفشل ولم ير المشروع النور الى يومنا هذا واليوم من الضروري جدا ان يتم بعثه اضافة الى التعديل الذاتي للصحف وتوفير هيكل آخر يهتم بالجانب الاقتصادي وهكذا قد ننقذ الصحافة المكتوبة من الاندثار».
وذكرت نجيبة الحمروني ان بعض الصحف مطالبة هي الأخرى بوضع خطة على مستوى الهيكلة ورؤية شاملة لضمان استمراريتها .


حميدة البور: «الحكومة ليست المسؤول الاول عن أزمة الصحافة المكتوبة»

أشارت استاذة معهد الصحافة حميدة البور إلى أنّ المؤسسات الاعلامية المكتوبة مطالبة بتشخيص مشاكلها وتحديد كيفية الخروج من ازمتها قبل طرح مشاكلها على الآخر، مضيفة ان العالم باسره يشهد أزمة صحافة مكتوبة واهمها غلاء الورق ومصاريف الطباعة والتوزيع وتقلص عدد القراء لكن هذا لا يعفي المؤسسات من دراسة معمقة للوضع منذ البداية لضمان ديمومتها..
من جهة اخرى اشارت حميدة البور أنّ الصحف مطالبة باعتماد صحافة القرب والصحافة الجهوية في ظل اكتساح الانترنات وهو الحل بنظرها لتفادي كل هذه المشاكل، وبينت ان على اصحاب الصحف  مطالبون بتركيز مكاتب جهوية وتخصيص فريق تحرير في كامل الجمهورية لان قراء الصحف ليسوا من المدن الكبرى بل هم من المناطق الخالية من الانترنات.
واما بخصوص الاشهار العمومي فذكرت البور انه لا يجب اعادة انتاج الوكالة التونسية للاتصال الخارجي بل يجب خلق وبعث هيكل جديد ينظم قطاع الاشهار العمومي، على غرار مجلس الصحافة.
اما عن  الحلول فرأت البور ان الصحف مطالبة في مرحلة اولى بالتعديل الذاتي ووضع مقاييس معينة للاشهار والدعم ثم بعث مجلس صحافة كما ان النقابات مطالبة بالقيام بدورها وانقاذ هذه الصحف على حدّ تعبيرها، مضيفة ان الحكومة ليست المسؤول الاول عن هذه الازمة لان معظم الصحف ليست مؤسسات عمومية .

سناء الماجري وعبد اللطيف العبيدي